فصل: ذبائح من يستغيث بغير الله ويدعو غير الله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (نسخة منقحة مرتبة مفهرسة)



.ذبائح من يستغيث بغير الله ويدعو غير الله:

الفتوى رقم (1423)
س: إن جماعة من طلبة العلم يزعمون حل ذبائح من يستغيث بغير الله ويدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، إذا ذكروا عليها اسم الله، مستدلين بعموم قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [سورة الأنعام الآية 118] الآية، وقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [سورة الأنعام الآية 119] ويرون: أن من يحرم ذلك من المعتدين الذين يضلون بأهوائهم بغير علم، ويقولون: إن الله فصل لنا ما حرم علينا في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [سورة المائدة الآية 3] الآية، وقوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [سورة البقرة الآية 173] الآية، إلى أمثال ذلك من الآيات التي فصلت ما حرم من الذبائح ولم يذكر فيها تحريم شيء مما ذكر اسم الله عليه، ولو كان الذابح وثنيا أو مجوسيا، ويزعمون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يأكل من ذبائح الذين يدعون زيد بن الخطاب إذا ذكروا عليها اسم الله، فهل قولهم هذا صحيح؟ وبما تجيب عما استدلوا به إن كانوا مخطئين؟ وما هو الحق في ذلك مع الدليل؟
ج: يختلف حكم الذبائح حلا وحرمة باختلاف حال الذابحين؛ فإن كان الذابح مسلما ولم يعلم عنه أنه أتى بما ينقض أصل إسلامه وذكر اسم الله على ذبيحته أو لم يعلم أذكر اسم الله عليها أم لا- فذبيحته حلال بإجماع المسلمين، ولعموم قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} الآية [سورة الأنعام الآية 118-119] وإن كان الذابح كتابيا يهوديا أو نصرانيا وذكر اسم الله على ذبيحته فهي حلال بالإجماع، لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [سورة المائدة الآية 5] وإن لم يذكر اسم الله ولا اسم غيره ففي حل ذبيحته خلاف، فمن أحلها استدل بعموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [سورة المائدة الآية 5] ومن حرمها استدل بعموم أدلة وجوب التسمية على الذبيحة والصيد، وبالنهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه في قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [سورة الأنعام الآية 121] الآية وهذا هو الظاهر، وإن ذكر الكتابي اسم غير الله عليها كأن يقول: (باسم العزير) أو (باسم المسيح) أو (الصليب)، لم يحل الأكل منها؛ لدخولها في عموم قوله تعالى في آية ما حرم من الطعام: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [سورة المائدة الآية 3] إذ هي مخصصة لعموم قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [سورة المائدة الآية 5].
وإن كان الذابح مجوسيا لم تؤكل، سواء ذكر اسم الله عليها أم لا، بلا خلاف فيما نعلم، إلا ما نقل عن أبي ثور من إباحته صيده وذبيحته؛ لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب (*) ولأنهم يقرون على دينهم بالجزية كأهل الكتاب فيباح صيدهم، وذبائحهم، وقد أنكر عليه العلماء ذلك، واعتبروه خلافا لإجماع من سبقه من السلف، قال ابن قدامة في (المغني): قال إبراهيم الحربي: خرق أبو ثور الإجماع، قال أحمد: هاهنا قوم لا يرون بذبائح المجوس بأسا، ما أعجب هذا؟ يعرض بأبي ثور. وممن رويت عنه كراهية ذبائحهم: ابن مسعود وابن عباس وعلي وجابر وأبو بردة وسعيد بن المسيب وعكرمة والحسن بن محمد وعطاء ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير ومرة الهمداني والزهري ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. قال أحمد: ولا أعلم أحدا قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة، ولأن الله تعالى قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [سورة المائدة الآية 5] فمفهومه: تحريم طعام غيرهم من الكفار، ولأنهم لا كتاب لهم فلم تحل ذبائحهم كأهل الأوثان.. ثم قال: وإنما أخذت منهم الجزية؛ لأن شبهة الكتاب تقتضي التحريم لدمائهم، فلما غلبت، في التحريم لدمائهم فيحب أن يغلب عدم الكتاب في تحريم الذبائح والنساء؛ احتياطا للتحريم في الموضعين، ولأنه إجماع، فإنه قول من سمينا، ولا مخالف لهم في عصرهم ولا فيمن بعدهم إلا رواية عن سعيد، روي عنه خلافها. (المغني) 13/ 296، 297 بتحقيق د. عبد الله التركي. انتهى من (المغني).
وإن كان الذابح من المشركين عباد الأوثان ومن في حكمهم ممن سوى المجوس وأهل الكتاب- فقد أجمع المسلمون على تحريم ذبائحهم، سواء ذكروا اسم الله عليها أم لا، ودل قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [سورة المائدة الآية 5] بمفهومه على تحريم ذبائح غيرهم من الكفار، وإلا لما كان لتخصيصهم بالذكر في سياق الحكم بالحل فائدة.
وكذا من انتسب إلى الإسلام وهو يدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ويستغيث بغير الله، فذبائحهم كذبائح الكفار الوثنين والزنادقة، فلا تحل ذبائحهم كما لا تحل ذبائح أولئك الكفار لشركهم وارتدادهم عن الإسلام، وعلى هذا فالإجماع على تحريم ذبائحهم ودلالة مفهوم الآية على ذلك كلاهما مخصص لعموم قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [سورة الأنعام الآية 118] وقوله: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [سورة الأنعام الآية 119] الآية فلا يصح الاستدلال بهاتين الآيتين وما في معناهما على حل ذبائح عباد الأوثان، ومن في حكمهم ممن ارتد عن الإسلام بإصراره على استغاثته بغير الله ودعائه إياه من الأموات ونحوهم فيما لا يقدر عليه إلا الله بعد البيان له وإقامة الدليل عليه بأن ذلك شرك كشرك الجاهلية الأولى، كما أنه لا يصح الاعتماد في حل ذبائح من استغاث بغير الله من الأموات ونحوهم، واستنجد بغيره فيما هو من اختصاص الله إذا ذكر اسم الله عليها بعدم ذكر ذبائحهم صراحة في آية: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [سورة البقرة الآية 173] وما في معناها من الآيات التي ذكر الله فيها ما حرم على عباده من الأطعمة، فإن ذبائح هؤلاء وإن لم تذكر صراحة في نصوص الأطعمة المحرمة فهي داخلة في عموم الميتة لارتدادهم عن الإسلام من أجل ارتكابهم ما ينقض أصل إيمانهم وإصرارهم على ذلك بعد البيان.
ومن زعم أن إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كان يأكل من ذبائح أهل مكة وهم يدعون زيد بن الخطاب فزعمه خرص وتخمن، ومجرد دعوى، لا يشهد لها نقل عنه رحمه الله، بل هي مخالفة لما تشهد به كتبه ومؤلفاته من الحكم على من يدعو غير الله من ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد لله صالح فيما لا يقدر عليه إلا الله- بأنه مشرك مرتد عن الإسلام، بل شركه أشد من شرك أهل الجاهلية، فالحكم فيه وفي ذبائحه كالحكم فيهم أو أشد، وقد أجمع المسلمون على تحريم ذبائح الكفار غير أهل الكتاب، وإن ذكروا عليها اسم الله؛ لأن التسمية على الذبيحة نوع من العبادة، فلا تصح إلا مع إخلاص العبادة لله سبحانه؛ لقوله سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الأنعام الآية 88]. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي
عضو: عبد الله بن غديان

.الذبائح التي تباع في الأسواق في البلاد التي لا يسلم أهلها من الشرك:

السؤال الثاني والثالث من الفتوى رقم (1653)
س 2: ما حكم الذبائح التي تباع في الأسواق في البلاد التي لا يسلم أهلها من الشرك مع دعواهم الإسلام لغلبة الجهل والطرق البدعية عليهم كالتيجانية؟
ج 2: إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال من أن الذابح يدعي الإسلام، وعرف عنه أنه من جماعة تبيح الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر على دفعه إلا الله، وتستعين بالأموات من الأنبياء ومن تعتقد فيه الولاية مثلا- فذبيحته كذبيحة المشركين الوثنين عباد اللات والعزى ومناة وود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، لا يحل للمسلم الحقيقي أكلها؛ لأنها ميتة، بل حاله أشد من حال هولاء؛ لأنه مرتد عن الإسلام الذي يزعمه من أجل لجئه إلى غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ من توفيق ضال، وشفاء مريض، وأمثال ذلك مما تنسب فيه الآثار إلى ما وراء الأسباب العادية من أسرار الأموات وبركاتهم، ومن في حكم الأموات من الغائبين الذين يناديهم الجهلة لاعتقادهم فيهم البركة، وأن لهم من الخواص ما يمكنهم من سماع دعاء من استغاث بهم لكشف ضر أو جلب نفع، وإن كان الداعي في أقصى المشرق والمدعو في أقصى المغرب. وعلى من يعيش في بلادهم من أهل السنة: أن ينصحوهم ويرشدوهم إلى التوحيد الخالص، فإن استجابوا فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا بعد البيان فلا عذر لهم.
أما إن لم يعرف حال الذابح لكن الغالب على من يدعي الإسلام في بلاده أنهم ممن دأبهم الاستغاثة بالأموات والضراعة إليهم- فيحكم لذبيحته بحكم الغالب، فلا يحل أكلها.
س 3: ما حكم من أكل من هذه الذبائح وهو إمام مسجد، هل يصلى خلفه؟
ج 3: إذا كان إمام المسجد يأكل من هذه الذبائح بعد البيان له وإقامة الحجة عليه مستبيحا لأكلها- لم تصح الصلاة خلفه؛ لاعتقاده حل ما حرم الله من الميتة، وإن كان يأكل منها بعد البيان له وإقامة الحجة عليه معتقدا حرمتها- فهو فاسق. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي
عضو: عبد الله بن غديان
عضو: عبد الله بن قعود